جديد المقالات

جديد الأنشطة الاعلامية

المتواجدون الآن


تغذيات RSS

10-01-2009 08:12




أعتقد أنه حان وقت الكلام الجدي والصريح في موضوع علاقتنا بالعراق، فالمسألة لا تحتمل سجالاً عقيماً ولا نَكْئاً للجراح ولا تفتيشاً في الدفاتر القديمة لتجديد الأحقاد. فنحن نحتاج إلى مقاربة جديدة تجعل الماضي ذكرى وعبرة وتفتح أبواب المستقبل بين بلدين كَتبت عليهما الجغرافيا أن يتجاورا إلى الأبد وشاء التاريخ أن يتصل مصير أحدهما بالآخر.



انتهى زمن المزايدات، تلك التي تأتي من عندنا، وتلك التي يواجهنا بها بعض العراقيين على مستوى النواب، ولا أحد أحسن من أحد في هذا المجال، فالشعبوية مرض أصيل، والصيد في الماء العَكِر عادة من عمر التاريخ. لكن الشعوب الحية هي التي تستفيد من تجربة الآلام والدماء ولا تَسجن نفسها في الماضي القادر على تجديد النزاعات.



إنّ عدم معارضتنا أيَّ قرار تصدره الأمم المتحدة لخفض التعويضات المستحَقَّة لنا لدى العراق لا يأتي من رغبات شخصية أو حالات عاطفية تدمَع معها أعيننا وتدفعنا إلى تقديم تنازلات، بل إنها ناجمة عن حساب منطقي لمصالحنا وتحليل سياسي للوقائع السياسية المستجدة على المستويين الإقليمي والدولي.



وقبل أن أتابع أشير إلى الاتصالات الحثيثة الحاصلة اليوم بين أرمينيا وتركيا لتحقيق تبادل دبلوماسي، وطيّ صفحة مجزرة واقتطاع أراضٍ ونزاع تاريخي طويل سمّمت علاقات الشعبين، وذلك كي لا أعود إلى أمثلة لا تُحصى في التاريخ حَلَّ فيها التعاون المثمر محلَّ أنهار الدماء والمآسي وملايين الضحايا.



لا أخفِّف هولَ الاجتياح الصَّدامي المجرم، لكنني أقول إننا يجب أن نشفى من «عوارض الغزو» التي حكمت سلوكنا السياسي فترة أطول مما يجب. فبلادنا تحرَّرت والحمد لله، وشعبنا يرفع رأسه بوحدته أثناء المحنة والتفافه الطوعي حول شرعيته وإعادته إعمار البلاد وإنهاء ذيول الاحتلال. أما الحكم العراقي فهو اليوم مختلف وصديق ولا يملك أي نيات عدوانية، بل على العكس من ذلك يتطلع إلى بناء صداقة تعود بالخير على الجميع. ولا يهم في هذا الصدد أصوات شاذة تصدر من هنا وهناك، فهي لن تتوقف يوماً، لكن المسؤولية والعقل ومواقع القرار هي التي تُؤخَذ في الحسبان.



أما التطور الذي يجب أن يُحسب له حساب فهو أن حليفنا الأميركي القوي الذي لعب الدور الأساسي في التحرير لم يعد ينظر إلى العراق بوصفه خطراً على المجتمع الدولي أو على جيرانه الأقربين، وربما باتت صداقته لبغداد متينة مثل صداقته للكويت، وصار رهانه على التعاون مع العراق الجديد صاحب الإمكانات البشرية والمادية والمتنوع الأعراق والثقافات، أكبر من أن يقيِّد نفسه بارتباطات بدولتنا الصغيرة التي تفقد بُعدها الاستراتيجي بالنسبة للأميركيين بقدر زوال الخطر المادي عن حدودها وشعبها ونفطها.



قبل أن أتطرق إلى المشاكل والاقتراحات لابدَّ من تأكيد أن حسن النية والمبادرة من جانب الكويت لا يعنيان مطلقاً الخروج على واجب التمسك بقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالعراق، فضمانة الكويت الأولى حاضراً ومستقبلاً تبقى المجتمع الدولي. أما تأييدنا خروج العراق من الفصل السابع فيعني تحديداً تثبيت مرجعية مجلس الأمن والأمم المتحدة في حل النزاع بيننا وبين بغداد، ورفضنا الموافقة على اقتراح العراق أن تحل محلها المحادثات الثنائية أو تستبدل بأشكال أخرى من طرائق التفاوض.



ليس بيننا وبين العراق اليوم سوى ثلاث مسائل، أولاها الحدود التي أقرتها الأمم المتحدة ولا تلقى اعتراضاً عراقياً، بل تبرهن بغداد في هذا المجال على حسن نية واضح، وهي إذ حسمت في شكل عام فإن مسألة العلامات الحدودية تبقى واجبة الإنهاء عبر لجنة الأمم المتحدة المعنية بهذا الأمر. وثانيتها الممر البحري، وهو الأسهل، فإما أن يُبنى ممر مائي جديد أو تُحترم القوانين المرعية وتسري على العراق والكويت بالتساوي. وثالثتها التعويضات التي تبقى العقبة الأساسية أو عنق الزجاجة في علاقات البلدين، وهي مسألة بات ضرورياً أن يُصار إلى حلها عبر مقاربة جديدة وموضوعية تبدأ بالتخفيض وتتم متابعتها عبر مجلس الأمن بالحصول على التعويضات على شكل مشاريع تنموية واستثمارية كويتية في العراق تفيد الطرفين، وتحقق عوائد مجدية أكثر من التعويضات بأضعاف.



وفي هذا الإطار، لا بد من الاشارة إلى مقترحات وأفكار مهمة تَقدَّم بها وزير الخارجية الشيخ محمد الصباح، وكلها تَصبُّ في هدف تأمين مصلحة الكويت وحقوقها من جهة، وفي هدف الانفتاح على التعاون البنَّاء مع العراق من جهة أخرى.



أعتقد جازماً أن الموافقة الكويتية على خفض التعويضات ستُحدث رد فعل إيجابياً دولياً وإقليمياً وعراقياً، تجني ثماره دولتنا ودبلوماسيتنا، وينعكس على مستقبل علاقات الشعبين الكويتي والعراقي.



وفي هذه العجالة أشير إلى بعض الاقتراحات التي تشكل نموذجاً للتعاون، منها على سبيل المثال إعادة تأهيل الأهوار التي ستعود بالنفع على العراق وتحسِّن البيئة في الكويت، وإعادة تأهيل شط العرب التي ستكون لها الانعكاسات نفسها، ثم إنني أسأل لماذا لا نبني جامعة عالمية للتكنولوجيا على الحدود أو مدينة طبية أو مدينة إعلامية؟ فهل يجب أن تبقى حدود بلدين جارين في القرن الحادي والعشرين مثار نزاع، أم أنها يجب أن تكون صورة للتطور الهائل الحاصل في العالم وللحداثة التي تأخَّرنا عنها سنواتٍ وسنوات؟


تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 1464


خدمات المحتوى


محمد جاسم الصقر
محمد جاسم الصقر

تقييم
5.26/10 (41 صوت)